عمدت العصابات الصهيونية بعد سنة 1948 إلى نهب ما وجدته من وثائق وكتب وصور فوتوغرافية، وضمّه إلى الأرشيفات الإسرائيلية التي أُنشئت. ومن ضمن ما تم سلبه الصور الفوتوغرافية التي تدل على أنه كان هناك حركة تصوير ناشطة، وخصوصاً في شارع يافا في القدس حيث كانت تنتشر استديوهات التصوير التي دُمّر جزء منها في تلك السنة، وقد أكملت إسرائيل عملية النهب والتدمير هذه بعدما احتلت الجزء الشرقي من مدينة القدس. وهذه المقالة تسلط الضوء على عمليات النهب التي جرت قوننتها، وعلى عمليات التخريب التي قُصد منها محو أي أثر لثقافة فلسطينية.
لقد بات كنز هائل من الكتب والوثائق والصور الفوتوغرافية التي نُهبت من الفلسطينيين في سنة 1948، جزءاً من الأرشيفات الإسرائيلية التي أُنشئت، أو أعيد تنظيمها، بعد قيام دولة إسرائيل. غير أن ذلك لم يظل حدثاً ماضياً منفرداً، إذ لم تتوقف عمليات نهب الأرشيفات الفلسطينية، والتي من المفروض ألاّ تُعتبر انتهاكاً للأملاك والحقوق الفلسطينية فحسب، بل يجب أيضاً اعتبارها عملاً متواصلاً من أعمال السيادة الوطنية تؤدي فيه شخصية "المتسلل" دوراً أساسياً، وهي كانت أحد الأفعال التي جرى من خلالها ممارسة تلك السيادة كمشروع دائم لتقسيم السكان إلى مجموعتين متمايزتين ومختلفتين، يكون العنف بينهما هو الذريعة والنتيجة. وسأقوم باستخدام الأرشيف، باعتباره وسيلة لممارسة السيادة الوطنية، لإظهار أن مفهوم السيادة لدى شميت ، كقوة متوقفة على لحظات استثنائية وجيزة لاتخاذ القرار، يفترض السيطرة الكاملة على الأرشيف، ومحو آثار الصراع على السيادة الدائر فيه ومن خلاله.
I ـ المتسلل غير موجود
ترتبط فئة "المتسلل" عادة، وهي عنصر أساسي في الأنظمة السيادية التمييزية، أي الأنظمة التي تحكم الشعب بقوانين تمييزية، بأجساد أولئك الذين أُجبروا على تجسيدها بسبب لون جلدهم المختلف، وتُفهم من طرف قوات الأمن على الحدود والخطوط الأمامية، كمجموعة من التعليمات: تحقيق؛ اعتقال؛ تعذيب؛ طرد؛ أو إعدام.
يجب البحث عن المتسللين داخل الصور والوثائق، ويستدرجنا الأرشيف إلى الامتثال لهذا، وذلك عند توفّر الفرصة أمام الباحثين، المواطنين الذين يتيح لهم النظام دخول الأرشيفات، كي يأتوا إليهم [أي إلى المتسللين] وينظروا إليهم بتمعن، ويدرسوا صورهم وهيئاتهم وعاداتهم وأنماط تسللهم، الأمر الذي يُعدّ اعترافاً بوجودهم في الأرشيف كمادة معرفية. ومع هذا، فإن دراستي للمتسلل استندت إلى افتراض أن المتسلل الذي تم ادعاء تصويره، ليس موجوداً. فنحن، كمتفرجين، نشهد الحدث الذي يحاول وكلاء الدولة من خلاله إجبار الفلسطيني ـ الذي يقاوم سلطة الدولة عند محاولة إبعاده عن أرض وطنه ـ على أن يصبح متسللاً. وفي إمكاننا إمّا أن نكرر عمل الدولة ونعمل على إتمامه، وإمّا أن ننضم إلى الفلسطيني في نضاله لرفض شخصية المتسلل، والاعتراف بأنه [الفلسطيني] يمارس حقه في العودة. إن فرضيتي، وفحواها أن المتسلل لا وجود له، هي تأكيد سياسي ـ تاريخي على أنه ليس للأرشيف القدرة على التأكيد أو النفي، نظراً إلى كونه أحد المواقع التي يتم فيها تصنيع المتسللين. ولأن المتسلل أحد منتجات العنف، فإنه لا يمكن دراسته بذاته، وإنما بعلاقته مع المواطن الذي ـ بتمييز نفسه منه ـ يساهم في اختلاقه. وأقول: إن استمرار وجود هذه الشخصية دليل على طبيعة المواطَنة، والأرشيف، وعلى الثقافة في الأماكن التي تم فيها تطبيع هذه الفئة ضمن الخطاب. وأود في هذا النص أن أطرح سؤالاً: ماهي الظروف الفوتوغرافية اللازمة لاختلاق المتسلل؟
إن الأرشيفات، التي قمنا بزيارتها من أجل إجراء بحث عن التصوير الفوتوغرافي، تضم الصور والوثائق سراً وعلانية، في آن معاً، وفق قانون أموال الغائبين. ويعرّف هذا القانون تلك الأموال على النحو التالي:
"مال غائب" معناه ـ المال الذي كان ـ طيلة المدة الواقعة بين يوم 16 كسليف 5708 (29 تشرين الثاني [نوفمبر] 1947)، واليوم الذي يُنشر فيه تصريح، وفقاً للمادة 9 (د) من قانون أنظمة السلطة والقضاء 5708 ـ 1948، يُعلَن فيه بأن حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة المؤقتة في يوم 10 أيار [مايو] 5708 (19 أيار [مايو] 1948) قد زالت ـ غائباً صاحبه الشرعي، أو المنتفع به أو واضع اليد عليه، سواء بنفسه أو بواسطة شخص آخر [....].
وتجنباً للشك، فإن الجزء من القانون المتعلق بـ "أحكام البيّنة" [البند 30، فقرة أ] يشير إلى أنه "إذا صدّق القيّم كتابة بأن شخصاً أو جماعة غائبون، فإن الشخص أو تلك الجماعة تُعتبر غائبة ما لم يثبت عكس ذلك"، غير أن البند ط من الفقرة نفسها يوضح أنه: "لا يُقبل طعن مبني على أن الشخص الفلاني ليس بغائب حسب مدلول المادة 1 (ب) (1) (3) لأنه لم يسيطر على الأسباب التي حملته على مغادرة محل إقامته طبقاً لما جاء في تلك المادة." إن اللغة الشعرية المستخدمة في صوغ القانون تشتت الانتباه عن عنف عملية اقتلاع الناس من منازلهم إلى وصف حالتهم بأنهم أناس "غير موجودين" في منازلهم، بمعنى أنهم "غائبون". وبطبيعة الحال، فإن أولئك الذين يسمّون غائبين تخلّوا عن صورهم الفوتوغرافية ووثائقهم (مع سائر ما تركوه من مقتنيات وأملاك). وكباحثين إسرائيليين يزورون الأرشيفات الإسرائيلية للقيام ببحث تاريخي، كان في قدرتنا الاطلاع بحرّية على الوثائق المنهوبة التي ظلت، منذ نهبها، بعيدة كلياً عن متناول الفلسطينيين. لقد انفصل الفلسطينيون عن تلك الوثائق بسبب الإبعاد في بادئ الأمر، ثم، مع مرور الأعوام، جرّاء ممارسة مزيد من العنف الجسدي والمعنوي بحقهم، والذي أبقى تلك الوثائق بعيدة عن متناول أيديهم، وأبقاهم بعيدين عنها.
ولا يمكن فهم دور عمليات النهب في تشكيل الأرشيفات ما لم يؤخذ بعين الاعتبار البعد المختلف للعنف الذي، في أثناء توجيهه نحو المحرومين، يؤثر في الجماعة التي تهدف إلى الاستفادة من عمليات النهب ـ أي الإسرائيليين اليهود. فحصول هؤلاء الأخيرين على كل ما أُجبر الفلسطينيون على التخلي عنه، واستخدامهم له، جعلهم متواطئين في عملية تطبيع عنف عمليات النهب. وقد استمروا في استخدام الأرشيف كمؤسسة تزودهم بالوثائق اللازمة للتحكيم في التواريخ المتنازع عليها، بغضّ النظر عن كيفية الوصول إلى تلك الوثائق وصوغها.
إن جيلَين من المؤرخين الذين اعتادوا التردد على الأرشيفات الصهيونية، لم يُطلعوا قرّاءهم على
"الصفقة" غير المكتوبة التي شكّلت أساس أبحاثهم، وحوّلتهم، عن دراية أو عن جهل، إلى متعاونين مع نظام سلطة تمييزية. فهذه الصفقة مكّنت الباحثين (الإسرائيليين اليهود في الدرجة الأولى) من الوصول إلى وثائق قيِّمة عن تاريخ هذا المكان، في مقابل اعترافهم بالأرشيف كمالك شرعي للوثائق التي يضعها تحت تصرفهم. وكان كل من قانون أموال الغائبين (1950)، وقانون الأرشيفات (1955)، يعاقبان على السرقة.
"وثائق متروكة، الأرشيف الإسرائيلي، أرشيف جورج أنطونيوس" (تصوير ميخائيل بار أور).
واللجوء إلى الأرشيف، كمؤسسة مرتكزة على الوثائق وتُعنى بالماضي، كما كنّا نفعل عند استخدام الوثائق التي يحتويها، يُسقط من الاعتبار الحملات العسكرية العنيفة، وكذلك الأيديولوجية والسياسية، التي تجري داخل الأرشيف وخارجه، وحتى خارج البلد، من أجل الإبقاء على التصور القائم للأرشيف كمؤسسة مهنية مسؤولة عن الحفاظ على الماضي. ومع أن البيانات المتكررة التي تعبّر عن الصدمة إزاء الأوضاع السيئة لحفظ الوثائق أو الصور السلبية (النيجاتيف)، أو صيانتها، هي أمر في غاية الأهمية، إلاّ إنها تدعم فكرة أن الأرشيف هو موقع لحفظ التاريخ أكثر من كونه ـ في ظل أنظمة مظلمة ـ موقعاً مشارِكاً في جرائم خطرة كالنهب والسلب والإقصاء.
إن أرشيفات الدولة الإسرائيلية، وفقاً لقانون الأرشيف الصادر في سنة 1955، موثوق بها من أجل الحفاظ على "أية كتابة مدونة على ورق أو على أية مادة أُخرى، وأي رسم، تصميم، خارطة، تصوير، علامة، ملف، تصوير فوتوغرافي، شريط، أسطوانة، وما أشبه: (1) موجودة في حيازة أية مؤسسة من مؤسسات الدولة، أو أية سلطة محلية، باستثناء مواد ليست لها قيمة الأصل". فقد عيّنت الدولة نفسها خلفاً للنظام السياسي السابق، وعهدت لنفسها بواجب حماية "كل مادة محفوظات تخص مؤسسات الدولة التي كانت موجودة قبل قيام دولة إسرائيل، وكل مادة محفوظات لمؤسسة من مؤسسات الدولة أو سلطة محلية منحلة ولم تخلفها مؤسسة أُخرى، وكل مادة محفوظات لمؤسسة من مؤسسات الدولة أو سلطة محلية لم تعد في حاجة لاستعمالها."
غير أن القانون يوضح نطاق رسالته القانونية، ويحدد أن "مواد المحفوظات" هي الوثائق الـ "موجودة في أي مكان، وذات أهمية في دراسة الماضي، الشعب، الدولة أو المجتمع، أو تتعلق بذكرى أو بأعمال شخصيات مشهورة" (التشديد من الكاتبة). إن استخدام هذه السلسلة من الكلمات ـ الماضي، الشعب، الدولة، المجتمع ـ كما لو أنها مترادفات، يلغي اختلافها بعضها عن بعض، ليس من أجل هدف شامل، وإنما من أجل الإقصاء، إذ يجب أن يضمن النطق بها أن السائد في الأرشيف هو ماضي اليهود. لكن بما أن الماضي لا يقبل التقسيم على أساس إثني أو قومي، فقد مورس الإقصاء من خلال الشخصية الموافقة لعبارة "أي شخص" المرحب بها في الأرشيف، إذ يجب أن تكون الشخصية معروفة كفاية، حتى لو لم تكن على دراية بنص القانون: "يجوز لأي شخص أن يطلع على مواد المحفوظات المودعة في دار المحفوظات، غير أنه يجوز تقييد هذا الحق بموجب نظام." وقد يتعلق هذا التقييد بنوع المادة الأرشيفية، والفترة الزمنية التي مضت منذ إنشائها.
إن فئة "أي شخص" ليست فئة شاملة، وإنما هي مشتقة من المبدأ الذي تقوم عليه السيادة التمييزية. ويتابع نص القانون في المادة 10/ج: "يجوز للأمين [أمين المجلس الأعلى للمحفوظات]، بمصادقة المجلس، أن يقرر بأن مواد محفوظات سرية، أو يقيد حق الاطلاع عليها"، بحكم أنها تشكل خطورة على أمن الدولة أو علاقاتها الخارجية، أو على أنها سرية، وبحكم أنها تلحق الضرر بالخصوصية الفردية. وأمين الأرشيف مخوّل من قبل المجلس باتخاذ أي من الإجراءات السابقة وفق أحكام أُخرى. إن تعيين الأمين لا يعكس علامة تميّز في العمل ضمن الأرشيف، وإنما يأتي بقرار حكومي. والأرشيف يشارك في تطبيع تعريف هذه الكلمات المتنوعة: الماضي؛ الناس؛ الدولة؛ المجتمع، من خلال الاستخدام المتواصل للمفتاح الذي يمكّن من استخدامها بشكل قابل للتبادل، وهو عبارة "أمن الدولة". إنه ليس أمن الدولة باعتبارها الشكل العام لتنظيم محكوميها، بل هو أمن الدولة بصفتها دولة يهودية أعداؤها هم جميع أولئك الذين يعارضون حقيقة أن يهوديتها مفروضة على سكانها، ويجب طردهم أو عدم اعتبارهم طرفاً متكافئاً. والسر ليس ما يتم الاحتفاظ به بعناية في الأرشيف في تلك الوثائق المختومة بعبارة "سري للغاية"، أو "مصنّف سري"، وإنما هو السر المعروف للأرشيف الذي نؤكد فيه، نحن المواطنون، دورنا كشركاء معه. إنه ليس السر الذي يضع أمن الدولة على المحك، بل الوعد بتوزيع الأدوار على مسرح النظام ما بين المواطنين اليهود والآخرين. وهذا ما يؤكد أن "وثائقنا" ستكون بأمان تام في المؤسسة المسماة الأرشيف، بينما سيتم إدراج الوثائق الأُخرى، سواء تلك التي في حيازة الفلسطينيين أو التي تمسّ ماضيهم ـ كأن الماضي قابل للتقسيم كما لو كان بنداً في مخطط سياسي ـ مع وثائقنا على أن تظل منفصلة، وأن يتم التعامل معها بشكل مختلف.
II ـ الأرشيفات المنهوبة
عندما أحكم اليهود سيطرتهم على أجزاء من فلسطين في سنة 1948، أصبحت كنوز هائلة من الأملاك المنهوبة، وبينها مقتنيات مثقفين ـ كتب ووثائق وصور فوتوغرافية ـ جزءاً من الميراث الإسرائيلي. ولم تكن عمليات النهب حدثاً ماضياً منفرداً، وإنما تواصلت عمليات نهب الأرشيفات الفلسطينية، بذريعة تجميع مواد التجريم، والأدلة على مخططات الفلسطينيين ونياتهم ودوافعهم وطموحاتهم، وتم الاحتفاظ بما نُهب في أرشيف الدولة أو الجيش. وفعلاً، أوردت الصحف المحلية خبر إدراج "مواد عربية" في أرشيف الجيش الإسرائيلي بعد عام على أحداث العنف التي وقعت في سنة 1948. وكان فُرض قبلاً مبدأ مَن، وماذا، وإلى أين ينتمي هذا الأخير، مع افتراض أن يتقيد الجميع بما يترتب على ذلك الأمر. وانقضت عدة عقود وبدأت عمليات النهب تُدرَس كما لو كانت اكتشافاً لأمر سري، مع أنه خلال تلك الأعوام كلها، وصولاً إلى الوقت الراهن، كانت أجزاء من المواد المنهوبة متاحة علناً. ولم تُخفَ عمليات النهب بحد ذاتها، وإنما عُرقلت دلالتها ومُنعت من الظهور كجريمة؛ هكذا، وفي كل مرة كانت تطفو تلك الدلالة على السطح، كان الأمر يتخذ شكل الاكتشاف.
يجب عدم فهم النهب على أنه مجرد انتهاك للأملاك والحقوق، بل على أنه ممارسة مستمرة للسيادة التمييزية. إنه شكل خاص من أشكال "تغيير الملكية" ـ وهو في الوقت ذاته عملية حرمان شعب ممّا يخصّه، والاستيلاء عليه بشكل يجعل امتلاك المواد المنهوبة وتغيير موقعها أمراً طبيعياً. السياق العسكري لكلمة "نهب"، والذي غالباً ما تؤكده القواميس، يتعلق بلحظة الانتزاع العنيفة ـ مع أنه ليس بالضرورة أن يتم على يد جنود أو في ميدان قتال ـ وهو يُغفل التطبيع المدني للعناصر المنهوبة. ولهذا، يجب أيضاً دراسة أي شيء نُهب من الفلسطينيين من خلال الطرق التي استُخدمت لتطبيعه من طرف الإسرائيليين اليهود وعبرهم.
لقد أوردت في كتابي: "من فلسطين إلى إسرائيل: سجلّ تصويري للدمار وتأسيس الدولة" عدة أمثلة لهذا الأمر في الفصل المتعلق بنهب أرشيف الصور الفوتوغرافية، والذي جمّعته عن الأعوام التأسيسية الأولى لتحويل فلسطين إلى إسرائيل. إحدى تلك الصور صورة لمكتب أول رئيس حكومة إسرائيلية، وبعض المعلومات عن مراسلة تمت بين سكرتير رئيس الحكومة ومكتب القيّم، المكتب الخاص المكلّف بالتوزيع المنظم للمواد المنهوبة. تتضمن الرسالة الموجهة إلى "مكتب يافا" المسؤول عن "الأملاك المتروكة"، طلباً بأن يُسمح للعاملين في مكتب رئيس الحكومة بإجراء "فحص للسجاد الموجود في مستودعهم من أجل اختيار بعض منه لمبنى الحكومة الرئيسي." ولتبديد أي شك في أن يقوم أولئك الممثلون بأخذ السجاد لأنفسهم، وتأكيد أن الإجراء قانوني وجرى التنسيق له بين مختلف وزارات الحكومة، تقول الرسالة: "بعد أن يقوموا باختيار السجاد ستصلكم التعليمات من وزارة المالية بشأن عملية نقلها ووجهتها." لقد سُجلت عملية النقل كما يجب في رسائل رسمية، وكانت في غاية الشفافية، وقد بحثت عبثاً كي أجد أي محاولة لإخفاء الأمر.
إن وجود أشخاص في سلسلة الصور الفوتوغرافية التي ترحّب بزوار الموقع الإلكتروني للأرشيف الصهيوني لا يغيّر توصيف الأرشيف كأرشيف للوثائق، إذ يظهر أولئك الأشخاص في تلك اللقطات وهم يمارسون أعمال أرشفة بحتة: يجمعون، ويسجّلون، ويدرسون. فهذه الصور الفوتوغرافية تصوّر أولئك المعنيين بأكوام من الوثائق والملفات. ولا شيء يقف في طريق هؤلاء الذين يهتمون فعلاً بالوثائق ويبحثون عنها ـ لا وضعها على الرفوف العليا (فالسلالم موجودة)، ولا وجودها على شكل أكوام هائلة قد تضيع فيها. الوثائق هي جوهر الأرشيف، وهي سبب وجوده، والمؤرشفون يدورون حولها كالنمل الدؤوب، يحفظونها ويصنفونها ويضعونها بعيداً، كي تكون فيما بعد في متناول قاصدي الأرشيف الراغبين في دراستها بعناية لمعرفة مزيد عن الماضي. فالوثائق، كما تخبرنا مجموعة الصور هذه، محفوظة بأمان في الأرشيف، ولا شيء مقلق بصورة خاصة في تلك الصور، بل هي مكمّلة للعديد من الأعمال الأرشيفية المهنية المماثلة، والمكرَّسة لأداء مهمات الأرشيف الرسمية. إن الصفة الزمانية للسيادة التمييزية، والتي تحوّل جرائم استيلائها على أملاك وثروات السكان الذين طردتهم إلى أمر واقع لا يمكن التفاوض بشأنه، وتفرض زمانية التقدم بصفتها الضامن الوحيد للمصلحة العامة، نجدها محفورة في هذه الصورة المثالية للأرشيف بصفته مزاراً مقدساً للماضي الغالي والثمين.
صور ملتقطة من الصفحة الرئيسية للموقع الإلكتروني للأرشيف الصهيوني.
الماضي مسجل في الوثائق، وقد تم إنجازه كما توضح فئات كفئة "المتسلل"، وهي فئة ذات أثر رجعي،
تطمس الوضع السابق للفلسطيني كساكن أصلي، وتجبره على التصرف كمتسلل ينتهك، بحسب تعريف المتسلل، السيادة السياسية الشرعية.
III ـ ضياع المشترَك
من الواضح أن عمليات النهب والطرد التي تعرّض لها الفلسطينيون الذين تحوّلوا إلى "لاجئين" أو "متسللين"، شكلت كارثة اقتصادية بالنسبة إليهم، ومنفعة لليهود الإسرائيليين. لكن فيما يتعلق بالجانب الثقافي، فإن قانون الأواني المستطرقة [قانون يرتكز على نظرية فيزيائية تُظهر أن السائل يكون ارتفاعه متساوياً في عدة أوانٍ مفتوح بعضها على بعض] لم ينطبق بالطريقة نفسها. فالحجم الهائل لما طال البنية التحتية للثقافة الفلسطينية من خراب وتدمير واستيلاء في أواخر الأربعينيات لم ينتزع ملكية الفلسطينيين وحدهم ـ ذلك بأن ما تمت خسارته، لم يكن فلسطينياً بشكل حصري، بل كان مشترَكاً، كما هي الثقافة غالباً. لقد حُرم اليهود البنية التحتية الثقافية لمجتمع مختلط كانوا جزءاً منه، فضلاً عن حرمانهم من ماضيهم في فلسطين، ذلك الماضي الذي أصبح معرَّفاً بالعرب وحدهم منذ أن قامت إسرائيل بفرض نفسها كممثل لليهود.
كان الشارع الجميل الذي ظهر في صورة شهيرة من مجموعة صور استديو أميركان كولوني، يكتظ بعدد كبير من استديوهات المصورين الفوتوغرافيين ـ ومنهم: ميليتاد سافيدس؛ بولس ميو؛ استديو إيليا؛ خليل رعد؛ كرابيد كريكوريان الذي عمل مع دافيد صابونجي من يافا؛ يعقوب بن دوف، وغيرهم ـ التي كانت مواقع حيوية جرى فيها مختلف أنواع اللقاءات والأنشطة. وإلى جانب تلك الاستديوهات، كان هناك محلات التصوير مثل: فوتو بريزما؛ فوتو يوروبا؛ غانان؛ أبراهام يحزقيلي. وهذا الشارع واحد من المواقع الرئيسية التي شهدت جزءاً كبير من النشاط الفوتوغرافي الفلسطيني الأول: فضاء حضري مفتوح أقام فيه العديد من المصورين استديوهاتهم، وقصَده الأشخاص الراغبون في أخذ صور لأنفسهم، أو في شراء صور الآخرين، وكان المتفرجون عن بُعد يتصرفون ويتفاعلون وفقاً للبروتوكولات المتنوعة التي صاغوها واعتمدوها. وكان يعمل في ذلك الفضاء الحضري المكتظ والمثمر والمتنافس، ألف شخص على الأقل يومياً، من المهنيين، ذكوراً وإناثاً، الذين عملوا بجهد معاً كمشغّلين لكاميرات التصوير وكمساعدين، وتولوا أمر الإضاءة، وقاموا بتظهير الصور السلبية، ثم طبعوها، ووضعوا اللمسات الأخيرة عليها، وصمموا المكان مع ملحقاته لتلبية أذواق مَن كانوا يقصدونه للتصوير، ومساعدتهم في اختيار الزي الملائم. وكان يتردد إلى تلك الأماكن جامعو الصور والمسافرون والسياح والزبائن المحليون والأشخاص الراغبون في التصوير، والذين كانوا يأتون لشراء الصور الفوتوغرافية والبطاقات البريدية، لأنفسهم أو للآخرين، ولأماكن يحبونها أو أماكن غريبة، أو لمناظر طبيعية متنوعة. وكان هذا الشارع، والحي بأكمله، القلب النابض للتصوير الفوتوغرافي في فلسطين. وعلى بعد مسير عشر دقائق من هناك، كان يوجد استوديوهات رصاص وزعرور وحنا صافية، إضافة إلى استديو أميركان كولوني. وقد عمل العديد من المصورين الفوتوغرافيين في المنطقة المجاورة منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى أواخر الأربعينيات، وبينهم على سبيل المثال، فورمان بالدوين، وإيليجا مايرز، ولويس لارسون.
لقد جمع نشاط هؤلاء المصورين ما بين العمل داخل الاستديو، والتوثيق الساحر لفلسطين خلال تطورها السياسي والثقافي والاجتماعي آنذاك، ومع مرور الوقت، أصبحت الأدراج والرفوف في كل من تلك الاستديوهات تضم أرشيفاً غنياً من الصور التي توثّق الحياة في فلسطين، وسجلاً فريداً لثقافة التصوير الفوتوغرافي المحلية المزدهرة. ومن منظورنا اليوم، فإنه من المغري القول إن مزيجاً من المجموعات الإثنية والقومية تشكَّل من خلال نشاط التصوير الفوتوغرافي، غير أن الوصف التاريخي الأدق هو أنه، في هذا المكان من القدس، تمازج المصوِّرون والأشخاص المصوَّرون والمتفرجون من دون أن يدركوا أنهم متعارضون كلياً مع الآخرين. لم يكن الانقسام الثنائي للعالم ما بين عرب ويهود مطبقاً، فالمصورون، على سبيل المثال، كانوا معروفين بأسمائهم المعلنة في لافتات الشوارع، وبأصولهم الجغرافية: الأميركي أو الصفدي أو المقدسي. لقد مكّنتهم الكاميرا من أن يظلوا غافلين عن الأصول الإثنية والقومية، فلم تصنِّف معرّفات الهوية هذه أعمالهم، ولم تضع حداً لتفاعلاتهم مع الآخرين ـ سواء مع الأشخاص الذين وقفوا أمام عدساتهم للتصوير، أو مع زبائن المحلات، أو بالتأكيد مع أولئك الذين يشاركونهم شغف التصوير الفوتوغرافي.
قسم التصوير في استديو أميركان كولوني (برئاسة إيليجا مايرز)، شارع يافا، القدس،1898 ـ 1902.
من الصورة السلبية الزجاجية. الصورة بإذن من المجموعة الفوتوغرافية لـ ج. إيريك وإديث ماتسون، مكتبة الكونغرس ـ قسم المطبوعات والصور الفوتوغرافية، واشنطن، العاصمة. هذه الصورة من ألبوم "يافا ـ القدس، 1898 ـ 1900،" مجموعات أرشيف أميركان كولوني، فندق أميركان كولوني، القدس.
في أعقاب تفجير فندق الملك داود في القدس في تموز / يوليو 1946، والذي نفذته منظمة إيتسل (الإرغون)، وهي ميليشيا يهودية سرية، خاف موظفو استديو أميركان كولوني على مصير آلاف الصور الفوتوغرافية التي التُقطت في الاستديو، فأرسلوا نحو 20,000 صورة سلبية إلى الولايات المتحدة لحفظها من عمليات الإتلاف والنهب والاستيلاء الهمجية. ومنذ سنة 1949، قُضي على إمكان التصوير الفوتوغرافي المختلَط [بين اليهود والعرب] في فلسطين، والذي لم تكن تحدده موازين قوى يفرضها النظام السياسي. فالفلسطينيون الذين عارضوا تقسيم فلسطين لم يكونوا ممثلين في الاتفاقات القانونية التي تم التوصل إليها بين الأردن ودولة إسرائيل، لأن الزلات التقنية حوّلت تلك المنطقة ـ مركز نشوء التصوير الفوتوغرافي في فلسطين ـ إلى أرضٍ مشاع متنازع عليها. وعلى الرغم من أن أياً من الطرفين ـ الإسرائيلي أو الأردني ـ لم يكن يملك صلاحية التحكم في المكان أو التدخل في شؤونه، فإنه ذُكر أن "صف المنازل في الأرض المشاع على جانبَي طريق يافا كان مدمراً." وتُظهر الصورة التي التقطها فيرنر براون في سنة 1951، أن المباني التي كانت تضم استديوهات المصورين الفوتوغرافيين ومخازنهم كانت مدمرة، لكن أحداً لم يعلن مسؤوليته عن ذلك الدمار، ولا عن عمليات النهب التي طالت أرشيفات الصور الضخمة التي لا تُقدّر بثمن. ولاحقاً، في كتاب ديفيد كرويانكر الذي تناول الموضوع في نصف سطر، نقرأ: "قام أعضاء طاقم الهدم في الجيش الإسرائيلي بتفجير المنازل المهجورة في المدينة، ابتداء من بوابة يافا وصولاً إلى فندق فاست." وعندما احتلت إسرائيل في سنة 1967 القسم الشرقي من مدينة القدس، أكملت إزالة هذه المنطقة، وكان الدافع وراء الوحشية في تحويل فلسطين إلى أنقاض هو الاستخفاف الكامل بالعالم الموجود هناك، ورغبة الفصائل الصهيونية المسلحة في تهويد فلسطين. وهنا، في شارع يافا الذي دُمر عمداً، قُضي على نسيج لا يقدر بثمن، لمئة عام من التصوير الفوتوغرافي في فلسطين، والذي اشترك فيه المصوِّرون والمصوَّرون والمتفرجون.
شارع يافا المدمر ـ تصوير فيرنر براون.
ما دمرته أحداث العنف في أواخر الأربعينيات كان أكثر كثيراً من استديوهات تصوير فريدة لمصورين موهوبين يجري، في هذه الأيام، اكتشافهم وإخراجهم من الأقبية العسكرية الخفية، فنحن لا نزال نجهل حجم المجموعات المنهوبة التي يمكن الوصول إليها، ومدى الدمار الذي طالها، وكم هو عدد المواد المخفية. وكل مَن يدّعي معرفة ذلك إنما هو مضلَّل، لأنه يعيد تكرار المعلومات العسكرية التي تحددها اعتبارات بعيدة كل البعد عن المنطق المدني للأرشيفات. وربما تضم أرشيفات إسرائيلية إضافية جزءاً من تلك المجموعات، وبهذا فإنها لا تكون متواطئة في جريمة النهب فحسب، بل في جريمة التمييز العنيف أيضاً، والمبني على أسس عرقية، بما يتعلق بالاطلاع على المواد. إن استبعاد الفلسطينيين هو ما يمنع انهيار قاعة المرايا التي يُحاصَر اليهود الإسرائيليون في داخلها، وهم يشاهدون، إلى ما لا نهاية، انعكاس وجهة النظر التي فرضتها السيادة التمييزية بالقوة. وما يُعرف عن مجموعات الصور الفوتوغرافية هذه قليل جداً، مقارنة بعدد الاستديوهات، وحجم النشاط المكثف الذي شجّع المصورين والتجار على فتح الاستديوهات والمحلات بعضها بجوار بعض في هذا الحي. ويبدو جلياً، من الكمية القليلة نسبياً من الصور المتاحة، أن أي شخص، وأي شيء، كانا مؤهلين لأن يتم التقاط صورة لهما. وعلاوة على ذلك، يظهر أنه كان هناك نوع من الاستمتاع المشترك في قدرة عدسات التصوير على إعادة عرض المألوف، والاندهاش بالجديد. ومن أجل توضيح ما جرى تدميره، فإن علينا أن نكفّ عن إسقاط المفهوم السيادي للمصورين الرئيسيين على تلك الفاعلية الفوتوغرافية، وأن نذكّر أنفسنا بأن العديد من أولئك المصورين، وجزءاً كبيراً من تلك الفاعلية، لم يُنتَجا كتراث وطني يجب ضمه إلى المتاحف الوطنية.
IV ـ جماعة المؤرشفين
خلافاً للعمل الرائد الذي قام به "غيش عميت" (Gish Amit) بشأن سرقة المكتبات الفلسطينية، أو لعمل آرون شاي المتعلق بتورط هيئة الآثار الإسرائيلية في تدمير القرى الفلسطينية، أو عمل رونا سيلع فيما يخص مجموعات الصور الفوتوغرافية المنهوبة المحفوظة في أرشيف الجيش الإسرائيلي، تلك الأعمال التي قامت على عرض وثائق مصنفة جرى تخزينها لعقود في الأرشيفات، فإن اهتمامي منصب على موضوع السرقات وعمليات النهب التي تتم في وضح النهار، وعلى الملأ، والتي تشكّل علنيتها مكوناً رئيسياً من مكونات تأهيل المواطنين الإسرائيليين الذين باتوا أنفسهم جمهورها المنشود، والذين عليهم باستمرار الإقرار بكونها [السرقات وعمليات النهب] غير عنيفة. إن صور عمليات النهب، والصور المنهوبة، تخبرنا عن الطريقة التي عوملت بها الصور، وعن لغة الجسد عند الاستيلاء عليها، وطقوس التصوير في الصور المأخوذة مع المواد المنهوبة، وعن اهتمام الجنود وتقديراتهم لقيمة الصور الفوتوغرافية واستخداماتها، والمعنى الذي يجعلها دليل إدانة لتطلعات العدو، أو يجعلها مادة سرية أو خطيرة، أو أدوات تمييز إثني بينها وبين مالكيها السابقين.
لقد فُرزت المواد بحسب الحاجات العسكرية والمنافع التي تؤثر في طريقة رواية التاريخ: بعضها أُلقي على الأرض أو حُطم من دون تحفّظ، دلالة على الصلاحية الممنوحة للجنود من أجل تقويم المواد وتقدير قيمتها؛ بعضها جرى فرزه داخل المؤسسات التي يعود إليها، في أثناء العمل العسكري وبعد انتهائه؛ بعضها وُضع، بالتأكيد، في يد المؤرشفين والمكتبيين الذين يُفترض أن يتعاملوا معها باهتمام وبطريقة مهنية ملائمة؛ بعضها أُخرج من الغنيمة الوطنية، بموافقة أو من دون موافقة القادة في الجيش، ووُضع في تصرف أفراد عاديين كتذكارات شخصية جعلت أفراد العائلات، من خلالها، ينضمون إلى مسرح عمليات النهب.
إن الصورة (أدناه) التي تُظهر جندياً يحمل رزمة من الصور، تجعلني أفترض شخصية للمؤرشف، مختلفة عن ذلك الشخص الذي يرحب بالزوار في الموقع الإلكتروني للأرشيف الصهيوني (انظر الصورة 3). إنها ليست صورة نموذجية للمؤرشف، لكنها ضرورية من أجل فهمنا لأرشيف الصور. فالصورة، وهي واحدة بين عدة صور حمَّلها جنود سابقون بكل فخر في الموقع الإلكتروني لوحدتهم العسكرية، تُبين أن الجنود كانوا مفوضين بالاهتمام بمجموعات الصور. فمهمة الوحدة 101 كانت ملاحقة "المتسللين" قبل، أو بعد، تجاوزهم الحدود إلى داخل دولة إسرائيل، وقد ظلت هذه الوحدة حتى سنة 1956 مسؤولة عمّا سمي "العمليات الانتقامية"، لكن وفقاً لما يمكن رؤيته في الموقع الإلكتروني الخاص بها، فإن أحد مكونات تلك العمليات كان نهب الوثائق، بما فيها الصور الفوتوغرافية. وفي تلك الصورة التي ربما تكون التُقطت في أثناء عملية ليلية، يحتشد العديد من الجنود حول عدد من الصور الصغيرة التي يمسك بها أحد الجنود، وهو يعرضها على زملائه في الوحدة، ويمرر بعضها إلى الجندي الذي يقف بجواره. ويبدو أن الجنود الذين يركزون انتباههم كله على الصور، مستمتعون بما يرون. وليس في وسعنا معرفة ماهية تلك الصور، أو ما إذا كانت شخصية أم رسمية، وإنما في جميع الأحوال، يمكننا القول إن إلقاء الجنود معاً النظر إلى الصور المنهوبة، وهي الصور التي تتم مشاهدتها من دون استئذان مالكيها، وفي غيابهم، هو عمل جامع، يجمعهم معاً كمتواطئين، ولديه القدرة على تحويل الجريمة إلى فعل مقبول. إن طريقة إمساكهم بغنيمتهم الفوتوغرافية تثير شبهة معقولة في أنه لم يتم إيداع جميع تلك الصور في الأرشيفات، وأن بعض الصور، بمجرد وصوله إلى المكاتب العسكرية، والحكم بأنه لا ينفع للتجريم، أو أنه غير قيّم، قد جرى إتلافه.
"أريك ودافيدي يتحققان من الوثائق والصور التي عُثر عليها في مخفر قرب دائرة الجمارك." بإذن من جمعية تراث المظليين.
في صورة أُخرى من "عملية البركان" عند مخفر الصبحة في غزة ـ ربما تكون التُقطت بعد عودة الجنود من العملية العسكرية، نظراً إلى وضعية الجندي وضوء النهار والمستوطنة اليهودية التي تظهر في الأفق ـ يقف الجندي لالتقاط صورة مع غنيمته. فيعرض أمام الكاميرا صورة جمال عبد الناصر المطبوعة وسط منديل كدليل إدانة يدل على أن المصريين ـ وربما، حتى الفلسطينيين اللاجئين في غزة ـ يعشقون زعيمهم. إنه لا يبالي بالمنديل كغرض حميم بالنسبة إلى مالكه، أو كمنبر شعبي لمشاركة الصور.
مظلي يحمل منديلاً عليه صورة جمال عبد الناصر، مهمة الصبحة، عملية البركان، 2 تشرين الثاني / نوفمبر 1955،
بإذن من جمعية تراث المظليين.
لم يكن الاستيلاء على الصورة / المنديل قد تم وفق الطريقة الإمبريالية التي تدرك قيمة العناصر المنهوبة، فتُغني بذلك إرثها الوطني، وإنما تلك الصورة اختُصرت "بمحتواها"، وخُفضت قيمتها باعتبارها رمزاً لثقافة متخلفة تقوم على عبادة شخصية الزعيم، وأُنكرت مميزاتها كشكل خاص من أشكال الصور الشخصية. وحتى يومنا هذا، فإن تدمير عقود من التصوير الفوتوغرافي النشيط في فلسطين ما زال يؤثر في إمكان تأسيس التصوير الفوتوغرافي، وإجراء البحوث في هذا المجال، في المنطقة بأسرها. والصور التي التقطها فلسطينيون في مكان وزمان آخرَين، بقصد توثيق الدمار الذي خلّفه الجنود الإسرائيليون في أثناء نهبهم أرشيفات الوثائق والصور، تؤكد الفرضية المتعلقة بالطريقة التي جرى التعامل بها مع الصور عندما نُهبت.
بوابة "بيت الشرق" المغلقة، 2013. ملصقٌ على الباب يتضمن أمراً بالإغلاق يقوم الجيش الإسرائيلي بتجديده كل عدة
أشهر. المصور: جوش ماكفي، وفد المؤرشفين والمكتبيين إلى فلسطين.
إن نهب الأرشيفات الفلسطينية لم يكن حادثة معزولة جرت مرة واحدة في زمن ماضٍ ولم تتكرر بعدها، والتي يجب البحث في الأرشيف عن الدليل على وقوعها، وإنما هي ظاهرة مستمرة كما يوضح نور مصالحة في كتابه "النكبة الفلسطينية". فمنذ سنة 1948 والجنود الإسرائيليون يغزون بشكل دوري بعض المباني الفلسطينية، وغيره من الأملاك الفلسطينية، ويأخذون المواد ذات القيمة التاريخية، ويدوسون على كل شيء في طريقهم ليس لديهم أي مصلحة فيه، ويجمعون الوثائق التي يرونها قيّمة أو خطرة أو تشكل دليلاً جرمياً، ويلتقطون الصور مع الغنائم في أثناء قيامهم بعمليات النهب، ويتيحون للناس رؤية بعض تلك الوثائق والأغراض مع صور لطريقة حصولهم عليها. لقد حدث هذا في جميع العمليات العسكرية الإسرائيلية، وعلى نطاق واسع في السنوات 1948، و1956، و1967، و1973، و1982، ولا يزال مستمراً حتى الوقت الحاضر. ولا حاجة إلى البحث عن وثيقة أرشيفية خفية تتضمن إصدار أمر بالنهب، فبوابات "بيت الشرق" في القدس، الذي نُهب في سنة 2001، والتي لا تزال مغلقة حتى الآن بأوامر عسكرية، أو الصور الملتقطة في غزة في الصيف الماضي، تغني عن الحديث. كما أنه يجب ألاّ يُفهم تأسيس الأرشيفات الإسرائيلية من المواد المنهوبة كعمل موجَّه ضد الفلسطينيين وحدهم، بل يجب رؤيته، عوضاً عن ذلك، عملاً تأسيسياً للسيادة الوطنية التمييزية القائمة على تقسيم السكان إلى مجموعات متباينة ترتبط بشكل أساسي من خلال العنف.
الرفوف التي أُفرغت من مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1982.
V ـ اختلاق "المتسللين"
إن تدمير ميدان التصوير الفوتوغرافي غير القابل للتقسيم، والذي كان ناشطاً في فلسطين حتى سنة 1948، كان، في رأيي، مطبوعاً على كل صورة فوتوغرافية أنتجتها إسرائيل، حتى إن لم توجد أي آثار مرئية داخل إطار الصورة. ويمكن التوصل إلى ذلك من الحدود المفروضة على ما يمكن رؤيته، أو دراسته، أو قوله، وعلى مَن يمكنه المشاركة بالسرد، وعلى كيفية، ودرجة، تجاوز تلك القيود.
لا يمكن أن يوجد المتسللون في أي مكان إلاّ في الأرشيف، ولا يمكنهم البقاء هناك ما لم يساهم اليهود الإسرائيليون في اختلاقهم. ففي جميع الأماكن الأُخرى التي يمكن البحث فيها عن "المتسللين"، لم يدم وجودهم طويلاً، فهم إمّا قُتلوا، وإمّا أعيدوا إلى مكانهم "الملائم" ـ أي مخيمات اللاجئين ـ حيث توقفوا عن كونهم متسللين. وهكذا، فإن دراسة هذه الشخصية هي دراسة مواطنين في ظل السيادة الوطنية التمييزية التي قامت باختلاقهم.
إن عودة الفلسطينيين إلى فلسطين كانت ظاهرة يومية خلال الفترة 1948 ـ 1956، ويمكن أن نعزو هذه العودة إلى دوافع متعددة، مثل حصاد الحقول، أو زيارة أفراد العائلة، غير أنه ليس هناك حاجة إلى إيجاد مبررات أو تحديد أهداف مادية لأفعال بسيطة يقوم بها أناس يرفضون إبقاءهم خارج بيوتهم، أو يرفضون قبول طردهم كأمر واقع. "هنا ولدت، وهنا سأُدفن"، هذا ما قاله حليم رمضان (الظاهر على يسار الصورة التي (أدناه، والتي) نشرتها مجلة "هعولام هزي" الأسبوعية) للمحقق في قسم الشرطة عقب توقيفه في سنة 1950، بعد أن ألقى جنود إسرائيليون القبض عليه في أثناء تسلله سراً إلى إسرائيل. واعتماداً على مصطلحات النظام الحاكم وروايته، يقول المؤرخون عن موجات العائدين ـ 70,000 تقريباً ـ الداخلين إلى إسرائيل خلال تلك الأعوام، إنها قوافل "متسللين"، ويصفون مشهد العنف المبالغ به والممارَس ضد أولئك العائدين بأنه "حروب حدود إسرائيل". لقد خلّفت تلك "الحروب" عدداً ضئيلاً من الصور المتاحة للعموم.
في سنة 1950، تسأل "هعولام هزي"، المجلة التي تنتقد النظام الإسرائيلي علناً، في عنوان رئيسي: "كيف طُرد المتسللون؟" وبدلاً من الإجابة، نُشرت صورة لفلسطينيين مصفوفين أمام كتيبة مسلحة من أجل إعدامهم رمياً بالرصاص. لكن الانتقاد الضمني في هذه المقاربة موجه نحو الجنود الذين يطبّقون القانون بأيديهم، ويمارسون عنفاً مفرطاً لردع اللاجئين. ومهما تكن درجة التعاطف الذي أظهره طاقم المجلة مع اللاجئين، وشدة الإحساس بالصدمة التي ربما أحس بها المحرر، من سلوك الجيش الإسرائيلي، فإن طلب حليم رمضان العودة إلى بيته، واعتباره واحداً من الشعب الذي يحكمه الكيان السياسي القائم في فلسطين، كان طلباً ممنوعاً، إذ إنه: "لا يمكن لأي دولة التسامح مع أشخاص مسلحين يعبرون حدودها ليلاً ـ فضلاً عمّن كانت السرقة دافعهم. وأياً تكن مأساتهم الشخصية، فإن من واجب الدولة حماية أرواح سكانها وأملاكهم. هؤلاء الجنود ورجال الشرطة الذين يؤدون هذه المهمة يستحقون الشكر كله." وبحسب هذه المجلة الدورية الإسرائيلية الأشد تطرفاً في وقتها، فإن "المتسلل بلاء على الدولة"، "ونحن لن نمنعه بواسطة مبادرات متفرقة، بل يمكننا الحد منه بقتال أكثر فاعلية... غير أن الحل النهائي لهذه المشكلة لا يمكن تحقيقه إلاّ بإبعاد اللاجئين العرب عن حدودنا، وإعادة تأهيلهم." ويستند موقف المحرر إلى الفرضية المكانية التي فرضتتها السيادة التمييزية في أيار / مايو 1948 ـ إبعاد أغلبية الفلسطينيين الذين سيظلون غير محكومين إلى ما وراء حدود الدولة، وحكم الأقلية المتبقية بشكل تمييزي. ففي الخمسينيات، كان هناك مواطنون إسرائيليون ـ بمَن فيهم صحافيون ومحررون ـ أُعدّوا مسبقاً كي يتماهوا مع صوت السلطة، ويكرروه كما لو كان صوتهم، غير مدركين أن موقفهم الأخلاقي أصبح حتماً مشكوكاً فيه في هذه الحالة.
المجلة الأسبوعية "هعولام هزي"، العدد رقم 661 (1950).
من الواضح أن تلك الصور لم تُلتقط على عجل، وإنما تم تجهيزها بكل دقة، صورة صورة، وفق أفضل تقاليد الريبورتاجات، الأمر الذي يجيز لنا افتراض أنه كان مسموحاً للمصور الفوتوغرافي بالانضمام إلى الجنود. وفعلاً، إذا كان القصد من ذلك هو عرض سلوك الجيش كفضيحة أخلاقية، فلماذا إذاً سُمح للمصور الفوتوغرافي بالقيام بذلك، ولماذا لم يؤدِّ مراقب المطبوعات ـ الذي كان يعمل في ذلك الوقت على مدار الساعة ـ مهمته؟ يلمّح المراسل إلى أن المتسللين يهددون سكان الدولة، ولهذا فإن من واجب الدولة ذات السيادة حماية مواطنيها ووقف هذه الظاهرة. وهكذا، فإن هذا الانتقاد، مع حدّته كما يبدو، صيغ أصلاً ضمن إطار التمييز السيادي ما بين المواطن وغير المواطن ـ المسمى "متسللاً". فعندما يتم قبول السيادة الوطنية كما تُعطى، يصبح "المحرر المتطرف" مخوّلاً باتخاذ موقف انتقادي علناً. وبالتالي، فإن المحرر اليهودي المتشدد نفسه يعاني مشكلة في تعريف العنف الذي يمارَس عليه، والذي يحوّله، من دون علمه، إلى متحدث باسم النظام.
هذا شكل من أشكال العنف الذي تنفرد به السيادة الوطنية التمييزية التي ليست قائمة على اضطهاد الشعب الضعيف فحسب، بل أيضاً على إشراك الشعب ذي الامتيازات في إدامة الجرائم التي جرى تشريعها كعمل من أعمال الدولة. ويبدو أن المحرر في المجلة الناقدة، بصفته مواطناً يفهم علاقته بالآخرين عبر التمييز ما بين المواطنين وغير المواطنين، قد أمضى وقتاً عصيباً في طرح أسئلة عن العنف الذي يمارسه النظام عليه. إن الامتياز الذي يحظى به كونه مواطناً، ورّطه في جرائم السلب، وسمح له أن يستوعب بسهولة أكبر العنف العلني الممارَس على الآخرين، وحتى عندما تكون ممارسته قد وصلت إلى حد "الإفراط". وهكذ، فإنه لا يستغرب لماذا سُمح لمصوره الفوتوغرافي الخاص بأن يكون ضمن المشهد، وأن يلتقط الصور، ومن الصعب ربما أن يكون قد مر في خاطره أمر إبعاد المصورين الفوتوغرافيين الفلسطينيين ـ على كل حال، الفلسطينيون، في معظمهم، كانوا طُردوا، كما أن البنية التحتية لنشاطهم الفوتوغرافي دُمّرت، وأُلغي دورهم كشخصيات بارزة في الساحة الفوتوغرافية، في حين أن الآخرين الذين تمكنوا من البقاء هناك، كانوا في ذلك الوقت في ظل حكم عسكري. ولم يسأل المراسل أيضاً عن سبب تطوع الجيش لإعطائه معلومات سرية عن ممارساته، وعن تمكينه من الانضمام إلى جنوده، بل إنه عوضاً عن ذلك، استمتع بكونه مقرّباً من الجيش، ومارس دور الخبير عند شرحه معنى السيادة. وهو لم يدعنا ـ نحن قرّاؤه ـ نعرف أنه تعلّم هذا الدرس عن النظام الملائم للسيادة من السلطة الحاكمة نفسها، وإلاّ كان في إمكانه أن يلاحظ أنه، وأمام عينيه مباشرة، كان بين أولئك الذين يواجهون الإعدام بالرصاص أشخاص اعتبروا أنفسهم جزءاً من الكيان السياسي الذي يجب تأسيسه في فلسطين، وأنه لولا استبعادهم لكان بالضرورة تأسس نوع مختلف تماماً من السيادة ـ أي السيادة المدنية.
إن السعي لتحقيق سيادة مدنية هو نضال سياسي يتعين على اليهود والفلسطينيين خوضه معاً من أجل التغلب على السيادة الوطنية التمييزية المنغلقة، وكسر الحلقة المفرغة المميتة التي يدورون فيها. والتاريخ المرتقَب يبدأ عندما يتم الاستغناء عن اعتبار الأرشيف مستودعاً للوثائق يجري من خلاله ملاحقة أثر "المتسللين" ـ أو "اللاجئين"، أو "الغائبين"، أو "الأشخاص المطلوبين" ـ واعتباره، عوضاً عن ذلك، موقعاً للنضال المستمر على السيادة. فإذا كان أحد الطرفين مع السيادة المدنية بدلاً من السيادة الوطنية، فإنه لن يدخل الأرشيف من دون مرافقين فلسطينيين يشاركونه النضال المدني الملتزمين به، ويتدربون معه على ممارسة السيادة المدنية.
[ترجمة: ريم دبيّات لـ "مجلة الدراسات الفلسطينية"]
ّ[ينشر ضمن اتفاقية شراكة وتعاون بين "جدلية" و"مجلة الدراسات الفلسطينية"]
المصادر:
1. كارل شميت (1888 ـ 1985)، مشرّع ألماني ومنظّر سياسي محافظ كان مناصراً للحزب "القومي الاشتراكي"(النازي) بزعامة أدولف هتلر.
لمزيد عن شميت، انظر موقع Stanford Encyclopedia of Philosophy، (المحرر)
2. انظر: "الوقائع الإسرائيلية"، "كتاب القوانين"، "قانون أموال الغائبين 5710 ـ 1950"، 2 نيسان (أبريل) 5710 [بالتقويم العبري] / 20 آذار (مارس) 1950 [بالتقويم الميلادي]، العدد 37، رقم 20، المادة 1/ه.
3.المصدر نفسه، المادة 30/أ، ط. (المحرر)
4. انظر: المصدر نفسه، "قانون دار المحفوظات، لسنة 5715-1955"، 4 شباط (فبراير) 5715 [بالتقويم العبري] / 27 كانون الثاني / يناير 1955 [بالتقويم الميلادي]، العدد 171، رقم 9، المادة 1/1. وقانون أرشيفات إسرائيل (بالعبرية).
5. المصدر نفسه، المادة 4/أ. (المحرر)
6. المصدر نفسه، المادة 1/2. (المحرر)
7. المصدر نفسه، المادة 10/أ. (المحرر)
8. انظر تقرير عوفر أدريت بشأن الزيارة لأرشيف الجيش الإسرائيلي التي نُظّمت للصحافيين: عوفر أدريت، "كنوز مصنفة لا يمكن الكشف عنها" (بالعبرية)، "هآرتس"، 5 / 7 / 2013
9. يمكن قراءة مثال لهذه اللغة الواقعية في مقالة لأفرايم تلمي: "المواد العربية مقسّمة إلى أربعة أنواع [بحسب الأصل]: من الجيش المصري؛ من الإدارة المدنية في بئر السبع؛ من جيش القاوقجي ـ الإنقاذ؛ من الحكومة اللبنانية." وتنتهي المقالة بدعوة إلى دعم الأرشيف الذي كرّس عاملوه أنفسهم لأجل المهمة، والذين يفتقرون إلى الميزانية والبنية التحتية الملائمة لتحقيق مهمتهم الوطنية التي هي في غاية الأهمية. انظر: أفرايم تلمي، "أرشيف الجيش الإسرائيلي" (بالعبرية)، "دافار"، 30/ 6 / 1949.
10. فيما يتعلق بنهب الأرشيفات الفلسطينية، انظر:
Nur Masalha, “Appropriating History: Looting of Palestinian Records, Archives and Library Collections, 1948–2011”, in The Palestine Nakba: Decolonising History, Narrating the Subaltern, Reclaiming Memory (London: Zed Books, 2012), pp.135-147.
وبشأن نهب أرشيفات الصور الفوتوغرافية، انظر:
Rona Sela, Made Public: Palestinian Photographs in Military Archives in Israel (in Hebrew), (Tel Aviv: Helenah, 2009).
ويمكن الاطلاع على الوجود العلني المستمر لهذه المواد في الأرشيفات الإسرائيلية باستخدام محرك البحث في الإنترنت الخاص بأرشيف الدول.
11. انظر:
Ariella Azoulay, From Palestine to Israel: A Photographic Record of Destruction and State Formation, 1947–1950 (London: Pluto Press, 2011), p. 230.
12. يمكن مشاهدة ما يعبّر عن التشويه الذي أحدثه هذا التقسيم ـ إسرائيل لليهود وفلسطين للفلسطينيين، أي للعرب ـ في مجموعة صور رقمية أنشأتها مؤخراً جامعة حيفا. ومع أن الفهرس الخاص بهذه المجموعة لم يتضمن أي تفصيل ربما يقود المرء إلى افتراض أن بعض هذه المواد جرى نهبه، إلاّ إن تسمية المجموعة "صور تاريخية من أرض إسرائيل"، هي شكل آخر من أشكال النهب. فالمرء يلحظ إزالة اسم فلسطين بالكامل منذ لحظة دخوله إلى الأرشيف الذي يضم صوراً من فلسطين وعنها، كما أن النص الذي يرحّب بالزائر يقول: "كثيراً ما جذبت أرض إسرائيل المصورين المحترفين والهواة الذين خلّدوها في الصور. وعلى مرّ السنين، فإن الأفراد، فضلاً عن الأرشيفات والمؤسسات، احتفظوا بمجموعات من الصور النادرة التي توثّق مناظر هذه الأرض الجغرافية والبشرية الفريدة." والأرشيف متوفر إلكترونياً.
13. بشأن النشاط الفوتوغرافي في فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين، انظر على سبيل المثال:
عصام نصار، "لقطات مغايرة: التصوير المحلي المبكر في فلسطين 1948 – 1950" (رام الله،: مؤسسة عبد المحسن القطان، 2005)؛ غاي راز، "أم النور: صور، تاريخ، هوية"، معرض أم الفحم.
14. وانظر:
Walid Khalidi, Before their Diaspora: A Photographic History of the Palestinians, 1876–1948 (Washington: Institute for Palestine Studies, 1984), btd.palestine-studies.org; Rona Sela, Photography in Palestine/Eretz Israel in the Thirties and
Forties (in Hebrew), (Herzliya: Muze’on Herzliya le-omanut, 2000
15. انظر:
David Kroyanker, Jaffa Road, Jerusalem: Biography of a Street, Story of a City (in Hebrew), (Jerusalem: Keter, 2005) p. 57
16. بشأن حيوية الشارع وعدد المارة فيه، انظر: Ibid.
17. عن مصوّري استديو أميركان كولوني، انظر:
Tom Powers, Jerusalem’s American Colony and its Photographic Legacy (2009),
وعن المصورين في القدس، انظر:
Guy Raz, Photographers of the Country: From the Early Days of Photography to the Present (in Hebrew), (Tel Aviv: Mapah, 2003).
بشأن هذا المزيج، انظر اللقاءات المصورة التي أجراها أكرم زعتري مع مصورين فوتوغرافيين فلسطينيين:
Projects 100: Akram Zaatari (New York: Museum of Modern Art, September 2013).
وكذلك: Raz, op.cit.
18. عن مصير مجموعة الصور السلبية الفوتوغرافية والتبرع بها إلى مكتبة الكونغرس في الخمسينيات، انظر الموقع الإلكتروني للمكتبة.
Kroyanker, op.cit., p. 78 .19
20. من خلال دراسة عن صورة فوتوغرافية شهيرة لاستديو أميركان كولوني، وهذه الصورة التي التقطها فيرنر براون في سنة 1951، حدد غاي راز أنقاض هذا الحي الفوتوغرافي.
Kroyanker, op.cit., p. 357 .21
22. وهذا التدمير لم يكن جزءاً من الحرب، وإنما جزء من العنف التأسيسي الذي كان هدفه الحفاظ على نتائج العنف كأمر واقع. ولمزيد عن هذا النوع من العنف، انظر: Azoulay, op.cit.
22. بشأن نهب منزل في القدس، انظر:
Bayan Nuwayhed Al-Hout, “Evenings in Upper Baq‘a: Remembering Ajaj Nuwayed and Home”, Jerusalem Quarterly, no. 46 (Summer 2011), pp. 15 – 22
وفيما يتعلق بنهب أرشيفات علي زعرور، انظر:
Dalia Karpel, “Negative-Positive” (in Hebrew), Haaretz, 9/4/2008,
وبشأن خليل رعد، انظر كاتالوغ رونا سيلع للمعرض الذي أقيم في متحف ناحوم غوتمان في تل أبيب:
Rona Sela, Khalil Raad: Photographs 1891-1948 (in Hebrew), (Tel Aviv: Nahum Gutman Museum and Helena, 2010).
وانظر أيضاً: فيرا تماري، "فلسطين قبل 1948 ليست مجرد ذاكرة: خليل رعد (1854 ـ 1957)"، (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2013).
Gish Amit,“Salvage or Plunder? Israel’s ‘Collection’ of Private Palestinian Libraries in West Jerusalem”, Journal of Palestine Studies, vol. 40, no. 4 (Summer 2011), pp. 6–23; Aron Shai, “The fate of Abandoned Arab Villages in Israel on the Eve of the Six-Day War and its Immediate Aftermath” (in Hebrew), Cathedra, no.105 (September
2002), pp. 151–170; Sela, “Made public…”, op.cit.
24. لقد نُشر علناً العديد من أنماط الصور المتنوعة للزعماء العرب كمواد تجريم. انظر بعض الأمثلة في:
Benjamin Gepner, ed., A Picture Story of the Sinai Campaign (Tel Aviv: Ledory Publishing House in cooperation with Glocer & Partners, 1957). وقد تحولت كلمة "campaign / حملة" في العنوان العبري إلى "war / حرب".
25. يوجد منديل مشابه في متحف الحرب الإمبراطوري، وقد كُتب عليه: "وشاح دعائي وطني ملهِم، صُنع في مصر في سنة 1956. يحمل صورة جمال عبد الناصر، ومشاهد من التقدم والرخاء اللذين خططهما لمصر، وبين ذلك السد العالي في أسوان." وشاح، مصري، متحف الحرب الإمبراطوري، الكاتالوغ رقم 10001
Masalha, op.cit .26
27. فيما يتعلق بتدمير أرشيفات بلدية يافا، انظر:
Mark LeVine, “Globalization, Architecture, and Town Planning in a Colonial City: The Case of Jaffa and Tel Aviv”, Journal of World History, vol. 18, no. 2 (June 2007), pp. 177.
والكاتب لا يتناول على الإطلاق، مسألة ما إذا كانت هذه الأرشيفات قد تعرضت للتدمير، أو للنهب في آخر المطاف.
28. جاء في تقرير قدمته بعثة من المكتبيين والمؤرشفين عن "بيت الشرق": "بعد اقتحامه من طرف الشرطة الإسرائيلية في آب / أغسطس 2001، صُودر جزء كبير من أرشيف المكتبة خلال الاقتحام، بما في ذلك مواد متعلقة بالمفاوضات بشأن القدس، وبمؤتمر مدريد في سنة 1991، وبمجموعات الصور الفوتوغرافية الخاصة بجمعية الدراسات العربية. وهذه الصور تتضمن مجموعة فريدة من المواد المتعلقة بتاريخ القدس في القرنين التاسع عشر والعشرين. والمكتبة مغلقة بأمر مستند إلى قانون من الحقبة العثمانية، يجدَّد كل ستة أشهر، ويعلَّق على بوابة المبنى الأمامية. ولا يزال مجهولاً حجم الضرر الذي لحق بالمجموعات، وكذلك ما تبقّى في المبنى من مواد."
29. "هعولام هزي"، العدد 661 (1950)، ص 4.
30. انظر
Benny Morris, Israel’s Border Wars, 1949–1956: Arab Infiltration, Israeli Retaliation, and the Countdown to the Suez War (Oxford: Oxford University Press, 1993); Shaul Bartal, The Fedayeen Emerge: The Palestine-Israel Conflict, 1949–1956 (Bloomington, IN: AuthorHouse, 2011).
31. "هعولام هزي"، العدد 661 (1950)، ص 4.
32. وبشأن إمكان السيادة المدنية في فلسطين، انظر فيلم: "ميثاق مدني"، من إخراج كاتبة هذه المقالة، في سنة 2012.